|
الدموع لآلئ، وتزداد قيمتها عند من يعجز عن ذرفها.
مؤخراً احتجت إلى بعض الدموع فلم أجدها، لجأت إلى الصيدلاني فأرشدني إلى قارورة فيها غسول للعين. قال لي: "الرجال في عمرك تجفّ غدد الدمع في أعينهم."
لم تكن حاجتي للدموع ناجمة عن حزن، كل ما في الأمر أنني شعرت بحاجة إلى شطف عيني لا أكثر، مثلما يشطف السائق زجاج سيارته من الغبار ليواصل طريقه. الدموع الصناعية في هذه الحالة فعلت فعلها ومنحت أجفاني بعض الرطوبة، ولكنني تساءلت: "ما لو أصابني حزن حقيقي، حزن يستدعي ذرف دموع حقيقية حارة، هل سألجأ إلى القارورة لأملأ عيني بدموع صناعية !"
آخر مرة بكيت فيها بكاء حاراً كانت يوم دفنت أبي؛ لم تخذلني غددي الدمعية يومها، وبللت ملابسي وفاضت حتى اختلطت بتراب أبي. أسوأ شيء في دنيا الرجال عقم الدموع، هو أسوأ من عقم الخصوبة؛ فما جدوى أن يكون الرجل قادراً على الإنجاب وهو غير قادر على البكاء ! النساء أفضل من الرجال في هذه الحالة لأنهن قادرات على منح الحزن حقه من الدموع في كل وقت. النساء لا يعرفن الحزن الجاف.
في متحف الآثار في جبل القلعة ثمة قوارير زجاجية تعود إلى العصر الروماني، كانت تستخدم لجمع الدموع المذروفة حزناً على الميتين، وتغلق بعد ملئها وتدفن معهم.
جرت العادة عند بعض الشعوب على دفن المجوهرات أو الأسلحة أو النقود أو الملابس مع الميتين. ما حاجة الميت إلى كل هذه الأشياء ! الرومان كانوا يدفنون مشاعرهم مع ميّتيهم. وحين يصحو الميت ينظر في المدمعة ويقول: "هذه دموع أمي، وهذه دموع زوجتي، وهذه دموع بناتي، وهذه دموع أخواتي." وقد يجد مدمعة صناعية تركها خجلاً ابنٌ جفّ حزنه.
|
|||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||