|
( الق ق ج ) و كتابة التَّأويل قد يتعجب البعض
![]() [١:٣٢ م، ٢٠٢٢/١/٢٣] فتحي المقداد: ( الق ق ج ) و كتابة التَّأويل قد يتعجب البعض من مسألة التأويل (interprétation) و اعتبارها خاصية في بناء العمل القصصي القصير جدا، علماً أنَّ التّأويل نهج و قراءة نقدية ، و قواعد و نظم هرمنيوطيقية.. من أجل تحليل النّص الأدبي، و إزاحة ما يَعتريه من إبهام،لإتاحة الفهم الصّحيح..فما علاقة هذا بذاك ؟ ينبغي أن نعلم أنّ كتابة (الق ق ج) كتابة خاصة، ففضلا عن التّكثيف اللّغوي، و الحذف، و التّضمين، و الإيجاز، و التّسريع.. يَنضاف إلى كلّ هذا التّأويلية. و إلا سيهيمن على النص أسلوب التقرير، فتتحول اللغة القصصية من فنّ سردي تخييلي، إلى مادّة إخبارية ليس إلا .. و شتان بين هذا وذاك ..و للأسف هذا ما تقع فيه نصوص كثيرة. و حتّى تكون الكتابة تأويلية، تمنح (الق ق ج) رونقها و تميّزها، و تسمح بالتّأويل ينبغي مراعاة التّالي: 1 ــ يفترض تجنّب السّارد العليم (Omniscient) ([1]) ما أمكن، لأنّه يكشف كلّ شيء، و يقرّ بأكثر مما يجب، فتصبح الفكرة أوضح من الشّمس في رابعة النّهار، فلا مفاجأة صادمة ولا دافع للاستنتاج و التّحري، ولا لهفة تشويق، و لا متعة قرائية. و لا كسر أفق الانتظار للمتلقي (Horizon d’attente) أي: ما يعرف في النقد : التبئير الصفر ، بمعنى السّارد كلّي المَعرفة . يعلم ما خفي و ما ظهر عن الشّخصية..و مثل هذا السّارد، لا تكون كتابة حكيه كتابة تأويلية. وإن كانت مؤثرة، فتأثيرها لحظي ينتهي بانتهاء القراءة، لأنّها بصيغ إخبارية (Indicative) و بالتّالي لا تسمح لاختراق تخوم النّص، و لا تتيح مجالا للتّأويل..و من ذلك نص للقاص يوسف حطيني: ” شجرة العائلة”([2]) ” سعيدةً كانت تلعب مع أفراد أسرتها، عندما داهمها قصف ألهب شاطئ غزّة. نلاحظ أنّ السّارد قال كلّ شيئ ، فضلاً على أنَّ الواقعة معروفة و مشهورة.. و بالتّالي لا شيء يحفز على التّأويل. 2 ــ و عكس السّارد العليم، هناك السّارد الذي تكون معرفته على قدر معرفة الشّخصية الحِكائية ، بمعنى لا معلومات هامّة من السّارد، إلا بعد أنْ تتوصّل إليها الشَّخصية.فالمتلقي لا ينتظر شيئاً من السّارد ليوضح له سير الحدث، و تطوره، بل ينتظر كلّ شيء من ذات الشّخصية.. فهنا يكون التّشويق، نتيجة الصّيغ النبئية (Prédicatives) فتطيب المُتابعة، و يكثر الاهتمام بالشّخصية، و تأويل تصرفاتها، و سلوكها، و نمط تفكيرها، و عيشها، و قدراتها، و رغباتها، و آفاق مآلها.. كلّ ذلك يثير فضول المُتلقي، و يُحفزه على التّأويل، و الاستقراء، و الاستنباط ..و في ذلك مُتعة النّص..و هذا ما يُسمّى بالتّبئير الدّاخلي. كالذي نجده في قصة : “بياض الدّهشة ” للقاص المصطفى كليتي ([3]) ” التأمت العائلة الكبيرة في جو سادته رهبة اللّحظة، و الموثق المؤتمن يفتح صندوق الأسرار الأسود، حيث أودع ” الجد الهالك” وصيته الأخيرة. أخرج منه الموثق بحذر شديد ورقة بيضاء صقيلة، لم يُخط عليها حرف، تأكدوا من فراغ الصّندوق وهم يقلبونه رأساً على عقب. ذهلوا، و انسحبوا تباعا، و قد أفْغَمتهم الدَّهشة.” لا شكّ أنّ الخرجة تحيلنا على سيلٍ من الحيرة و الأسئلة.. و كلّ ذلك يشكّل طيفًا من التّخمينات و التأويلات…لأنّ السّارد اكتفى بالعرض، و تجنّب التّفسير..و ترك المجال للمتلقي ليؤوّل الحدث، أو يملأ الفراغ.. 3 ــ و من الكتابة القصصية التّأويلية تلك التي يأتي بها سارد يعتمد المظهر الخارجي و لا يعلم ما يدور في خلد الشّخصية / الشخصيات. بمعنى يعرف أقلّ مما تعرف الشّخصية، دون تفسير لمشاعرها، و أفكارها. السّارد مجرّد مُلاحظ خارجي.. لذلك يعرف في النّقد : بالتّبئر الخارجي. و لكن يفسح مجالا رحباً للتَّأويل، و متعة المشاركة في كتابة النّص لما يعتريه من فجواتٍ و بياضٍ..و خلوٍّ من فائض اللّفظ، و من السّرد المُقحم (Intercalée) كالذي نجده في قصّة القاص حسن البقالي : ” حفريات ” ([4]) ” لا يهم كيف عاش حياته.. السّارد اعتمد المظهر الخارجي للجثة، و ما توحي به، و لكن لا يعلم شيئا عن الشّخصية، كيف عاشت و لماذا قتلت ؟ و ما سرّ ارتسام ضحكتها ؟ خلاصة القول: أنّ (الق ق ج) نظرا لحجمها، و تكثيفها، و ضغطها ..لا تسمح بالسّارد الثّرثار..بل على العكس من ذلك تلتئم و السّارد المحايد اللّمّاح الذي لا يقول كلّ شيء، و ما يقوله رغم اقتضابه و نقصه يُحمل مَحمل التَّأويل من خلال القرائن التي يأتي بها في النّص. * مسلك ميمون * [1] ــ يقول السرديون: ” إن استراتيجية السارد العليم هي أبسط أنماط السرد، و لكنها بالأساس أخطر أنماطه، لأن [2]ـ د يوسف حطيني مجموعة “جمل المحامل” 100 قصة فلسطينية قصيرة جدا ط/1 الناشر: دار الوطن [3]ــ المصطفى كليتي، مجموعة ” ” تفاحة يانعة وسكينة صدئة” ط/ 1 2013 نشر دار الوطن الرباط [4] ــ حسن البقالي مجموعة ” كالعزف على القثارة ” ط/1 2020 مطبعة وراقة بلال/ فاس
مقالة د. ميمون مسلك تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط ،
ويحتفظ موقع 'ألوان للثقافة والفنون' بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أو خروجا عن الموضوع المطروح ، علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط .
اختر هنا لادخال التعليق |