|
قراءة بصرية وجدانية للوحة د. أم البنين السلاوي *وجه ما سمي الربيع
قراءة بصرية وجدانية للدكتورة أم البنين السلاوي عن لوحتها وجه ما سمي الربيع العربي جلست مليا أتفحص كعادتي ما بعد فترة الوضع الجلل و لقاء الوليد الجديد بالفرح العارم.. أتحسس وجود كمال الصورة و ضمان عبور المضمون... و سرعان ما حام على ذاكرتي رعب سابق للمرتقب و رانت على ذهني المؤول لحظة حاسمة تقودها علامة استفهام سحيق و ذهل كبير يستدير بين ثنايا اللون.. يتفقد الشكل.. يستدعي الجوهر المكنون.. لعله يطفح بخبايا المحجوب وسط تصارع لغة الألوان بمفرداتها الجريئة و ضربات الفرشاة القاهرة بصخب.. تناطح عبور المادوي في نسيج الخامات المتواشجة في ازدحام و تهافت... تطبب وضع أمان.. فوق السند الذي صار ضيقا.. لا تسعه كل حكايات سردها الدافق من عالم غامض يتزامن فيه الحاضر و الغائب.. يتلاحم فيه المجرد و المادوي مع المشخص التلقائي لإبعاد التحكم العقلي في مدار التكوين.. يطلق العنان للخيال.. في تحدي المعقول و اللامعقول.. الملموس المدرك و المحسوس المتوقع من تقص المخطط و استشفاف صروح ما سمي الربيع العربي. من باب تعيين المعنى.. لمحت وجها بلا ملامح، كحقيقة مرة.. تمحى فيها الهوية.. يحيط برأسه عقد معماري أخضر.. منسوج بضمادات طبية تشير للمرض.. مقوس من الطراز العربي الإسلامي.. يعتمد في حسابه على نقطتي ارتكاز، اختلطت بالوجه لتشكل اتزان المبنى و تخفف الضغط. و من باب التضمين استعصت المفاهيم على التحديد و ضبط الإيحاء و حصر مداراته الدلالية لما يتمثل فيه من تعقيد السيميوز الذي يحتاج إلى المحايثة في التحليل للمتوفر بشكل ثابت و قار و لما يحيل على ما ينبعث عنه معبرا عن طبيعته الأصلية. وفي الحالتين معا نكون أمام مضامين سابقة ومعطاة مع الطبيعة ذاتها كبحث لعوامل لا تفرزها السيرورة الطبيعية لسلوك إنساني متدرج داخل الزمنية باعتبارها أفق يخبر عن المضامين ويشكلها بالسرد الوجداني المحزن. و لقد وصف علماء الجشطلت التفكير الإبداعي على أنه إعادة بناء للموقف المشكل و الذي يحدد اتجاه عملية إعادة البناء. مما يجعلنا نربط الأشياء ببعضها البعض من خلال المواضع و الأشكال و الألوان و لا تكون العلاقة بينها مجرد علاقة بصرية أو فيزيقية بل رابطة وجودية بالمعنى العميق للكلمة يتم تفسيرها بطريقة رمزية، و هذا يعني أنه عندما يكون موضوع ما، أو شيء ما، أو جزء منه مختفيا عن مجال الرؤية فإن الغياب ليس واحدا من خصائصه البصرية و الفيزيقية فقط، لكنه أيضا جانب من جوانب حالة وجوده بالمعنى الواسع لهذه الكلمة.. فغياب ملامح الوجه تثبت وجوده بقوة ضربات الفرشاة بألوان معتمة تجعل العتمة إحدى سماته يغلب فيها اللون الأزرق القاتم لون اليأس و المأتم و ضربات الدم الأحمر و دلالة الأصفر الموجود في الأسفل تشير للحزن و الهم و الفناء بينما اللون الأخضر الأصفر يرمز لعارض ألم بالحياة.. فتتشابك ملامس أسطح المواد و تتبعثر الألوان و تتضارب بينها لتخفي السمات الدالة على الأسارير.. لكن تبقى وسيلة مثخنة تستدعي ذوي الخبرة في التبصر أو الإحساس الإدراكي العميق لتحريها و انطلاق البصيرة منها.. إنها علامة العيون البيضاء و نظرتها المنهكة لرحلة ميت وسط سراب العروبة الدامس.. في وحل الدماء.. و تناثر شظايا الأبدان.. تفقد الحدث شرعية الحق في خصوبة الربيع.. تأكلت الوجه المنية لكن إطلالات مؤشرات خياله المريع تطفو بأحلامه على جبهته الساطعة يمكن استدلالها بإبراز منظر طبيعي خلاب كان يهتف به للسلام برمز الاطمئنان المتمثل في الاخضرار ثم الإيقان بصفاء الأزرق إلى أن يصل بقمة التوهج و الإشراق مع قدسية اللون الأصفر و الهيمان مع الأسود المربوط بعالم الموتى.. يغيب فيه كل لون و لا يبقى إلا الحزن المطلق تتوسطه بقع الأحمر الأرجواني لتعلن الوفاة فينقلب الحلم الجميل لمأثم تتوارى فيه يوميات ميت... بقلم الدكتورة أم البنين السلاوي 22-05-2013 تطوان/ المغرب
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط ،
ويحتفظ موقع 'ألوان للثقافة والفنون' بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أو خروجا عن الموضوع المطروح ، علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط .
اختر هنا لادخال التعليق |