|
الارض الثالثة الى محمد الصمادي
والشمس تلوّح أغاني .... ليس للأغاني طعم إذا كانت عاقلة. على بعد خطوات منك غنِّيت:" غيابك يشرّدني... أنا قادم فهيئي الكلمات والشراب وافردي الشمس أغنيات للبحار"... وقلتُ لنفسي: كبرنا كثيرًا فلم نتلعثم إذ نحن بحضرة عينيك ؟! سنقترب أكبر... نتكئ على الجراح ونتحولق حولها... تعين فكرة أن الأرض كرة ... ثم سأغدو إليك ... أحار من أي الجهات آتيك ... أنت يا كروية التواجد ... ويا دائمة الحضور ... وأنا ... حضّرت كلّ تمائمي والبخور لحزنك ... حضرّت الهدايا والعطور لعبقك الفوّاح... وجلست مع الحزن في حضرة عينيك البعيدتين أغنّى للراحين والعادين: " سعدون طحنته العواصف... سعدون وفرحة الخائف يرتقبان .." خطوات قليلة كانت عنك!! بحر وصحراء ... أرض بعيدة... أبعد من كل الأراضين التي
تعرفين. الغربة عنك تخنقني... ويخرجني حزنك إلى الشوارع المطفأة .... أسير في الطرقات، أحلم بأرض الضباب التي لم يزرها أحد، وأنت بمعطفك الأسود وندائف الثلج بحنوٍ زائد على الشوارع البعيدة... نجمع الهدايا التذكارية للأصدقاء في الوطن ... نزور الحوانيت... ونجهد أنفسنا لنعبئ خوابينا بفرح- تسرب منذ أمد ... وفي الطريق بعد أن استفقت أنك لا يمكن أن تكوني هنا... ! كنت وحيدًا .... أقصد كما في كل مرّة.. لملمت نفسي تحت (جاكيتي) الربيعي ومضيت، أشد الخطى.... أرفع السجاد، أبحث عنك تحته، لم تكوني! وكان حزن...
ترك الأصدقاء حقول القطن الأبيض الصغيرة ... سافروا نحو الهجيرة ... أنا راحل – بعدك – باتجاه البحر. سأغني هناك بفجيعة إذ لا أحد يسمعني. وحين أذكرك سأنتحب إذ لا أحد يسمعني ... هنا : العيون نواسات مطفأة ... الضحكات موجات مهدومة، وذكرياتك مدفأة... لم يبق للحزن غيري أسامره، يسامرني ....
قلت لأمي والأصدقاء: هناك دفء كثير... هنا حلم عظيم... ثم أنبت أنت دون أن أتوقعك ... ومددت يدي نحو الوداع... خبأت دموعي بظاهر يدي... وأنا البعيد الآن...
أراكم تحتضرون أو ربما أنا أحتضر! عيونك أرضي الأخيرة... أمي أرضي الأولى ... والوطن، كلكم كنتم تحتضرون أمامي لحظة ذلك الوداع... وأنا شددت على العيون لتطفر منها ولو دمعة واحدة... وكانت تأبى، والآن، انظري دموعي تجري مني، تبللني طويلاً إذ أجلس الآن وحيدًا – لا كما كنت بينكم أذكركم في هذه الأرض الواسعة جدًا والمغلقة جدًا ... وانظري، ها هو الآن يلعلم نفسه، يجمع أجمل ما قيل عنك ... يعرضها أمام الأصدقاء بتباهٍ حزين ... وما زال يفكر ... أإذا التقى عيونك لحظة، وهي التي تعرف أن كل ما كتبه كان لها وحدها... فهل سيدير ظهره نحو أرضه الثالثة من جديد..؟!
محمد علي الجراح
![]()
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط ،
ويحتفظ موقع 'ألوان للثقافة والفنون' بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أو خروجا عن الموضوع المطروح ، علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط .
اختر هنا لادخال التعليق |