|
العربية صراعات مآثر وأمجاد
اللغة العربية والتدريس (16)
تربويا الطفل عن زميله الطفل آخذ وهما معا عن معلمهما أومعلمتهما آخذان بحب وإعجاب ،إذ التلميذ الناشئ يرى في معلمه ومعلمته الأنموذج الذي به يقتدي ،ويفخر فكل ما يصدر عنه يقلده تقليدا أعمى ،أي يأخذ منه وعنه دون غربلة ولا تمييز،،لأنه صفحة بيضاء يخط عليها معلموه ومعلماته ما يشاءون،وينتقل التقليد الذي لا يراه تقليدا بل يراه ما يجب أن يكون عليه من الصف إلى الشارع،ومن الصف إلى البيت ،فيصطدم صدامين :الصدام الأول لايلفي المحيط الخارجي أي الشارع ينطق بما أنطقه معلموه في المدرسة ،والصدام الثاني لا يلفي أفراد أسرته ينطقون أو يلفظون ما تعلمه في الصف،فيحتار في الأمر،وتتحول عنده عملية تعلم أو النطق بالعربية إلى عملية معقدة،ويتحول الإحساس لديه إلى أن ما يتعلمه في القسم لا يصلح إلا للقسم،ومن هنا تشرع المسافة التباعدية بينه وبين اللغة العربية الفصحى تزداد وتتوسع.
وحين ينتقل إلى المرحلة الإكمالية حيث تبدأ إرهاصات المراهقة عنده بالظهور ابتداء من الصوت إلى السلوك إلى طريقة التفكير إلى استخدام اللغة ،وتتعمق لديه ظاهرة التقليد ،فيصير يقلد أساتذته وأستاذاته في القول والفعل ،وهنا تكمن الخطورة ،فإن كان الأستاذ المقلد ينطق العربية ويعشقها فإنهم يقلدونه في ذلك ومع انتشار ظاهرة التقليد من تلميذ إلى آخر تكتسب العملية بعدا إيجابيا،وتتحول التراكيب المقلدة إلى رصيد كلامي ومعرفي يخزنه التلميذ،أما إذا كان الأستاذ من الصنف الذي لايحدث طلابه العربية الفصحى حتى وإن كانت مادته مادة أدبية صرفة فإنهم بالضرورة وبدون حسبان عاقبة التقليد ،التي يرونه ضربا من التفكهة مثلا فإن هذه التراكيب المشوهة تصير كذلك رصيدا لغويا للتلميذ ولا تهمه سلامتها الأدائية والغائية مادامت قد صدرت من أساتذته...
وفي مرحلة الثانوي ،ينضج التلميذ ،وتنضج معه مداركه ورغباته في إيثاره مادة أو مواد معينة دون غيرها،ويوجه بإرادته أو بغير إرادته إلى شعبة معينة ،قد يكون محظوظا فيحبها ،وقد يكون غير ذلك فينفر منها ،لكنه يدرسها على مضض،وفي هذا المرحلة تجلى قدراته فيميل ميلا معينا،وسواء كان ميله ميلا علميا أو رياضيا أو أدبيا ،فإن اللغة العربية تلاحقه حتما في كل الخيارات الإرادية ،أو غير الإرادية،وتتعمق لديه الرغبة في تعلم اللغات، وتصير اللغة الأجنبية الأولى او الثانوية من أولى اهتماماته وبخاصة إذا كان موجها آداب وعلوم إنسانية أو لغات،ويجتهد محاولا التحدث بها بطلاقة وهكذا يتفوق في هذه اللغة أوتلك ،أما المواد الإنسانية فيعدها ثالث درجة بعد المواد العلمية والرياضية واللغات،لذا نلحظ كل عام تفوق نسبة الرياضيات والشعبة العلمية على الشعب الأدبية في امتحان شهادة البكالوريا،والسر في ذلك ـــ حسب تجربتي المتواضعة في قطاع التعليم ابتداء من الابتدائي مرورا بالإكمالي إلى الثانوي ثم الجامعي والذي سيأتي الحديث فيه لاحقا ــ يكمن في طريقة وأسلوب المدرسين،والمدرسات،فأساتذة المواد العلمية والتكنولوجية لاتهمهم جماليات اللغة بقدر ما يهتمون بتوصيل المعارف الرياضية أو الفيزيائية والتي يمكن أن تلقن أو تدرس بمزيج من اللغات العربية ،الفرنسية والانجليزية،ولا تقتصر هذه الظاهر التدريسية على أساتذة المواد العلمية والرياضية فحسب بل تتعدى إلى لغة تعليم المواد الأدبية ،فيغيب الحس الأدبي ،وعشق اللغة العربية بأصواتها ومخارجها،وتذوق النصوص الأدبية تذوقا يرحل عدواه إلى التلاميذ ،وفي غياب هذا الحس الجمالي التأثري والتأثيري يخبو تعلق التلاميذ بالعربية ،وينصرفون عنها،ومن ثم يفتر تأثيرها في المحيط والمجتمع..... يتبع
![]()
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط ،
ويحتفظ موقع 'ألوان للثقافة والفنون' بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أو خروجا عن الموضوع المطروح ، علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط .
اختر هنا لادخال التعليق |