|
بطاقه تعريفية لديوان "قطوف دمشقية" للشاعر "محسن محمد الرجب". سوريا.
محمد فتحي المقداد
صدر حديثًا كتاب "قطوف دمشقية" وهو ديوان شعريّ. للشاعر "محسن محمد الرجب" سوريا. وهو المولود الأدبي البِكر للشاعر. قراءة العنوان تُفصِح عن هوية الشاعر السورية، وديوانه المُتشبّث بالمكان الدمشقيّ، العابق بعقود الياسمين على صدر قاسيون تتلألأ رسائل حُبّ للعالم. فإذا حانَ القطاف لأيّ موسم من الخضار والفواكه؛ فهو مخصوصٌ بزمن محدد بداية ونهاية، بينما الموسم الدمشقيّ دائم التجدّد والنماء والعطاء، دائم القطاف لمن أراد في كل زمن وحين، والعنوان اختيار موفق وحاذق، ودليل انتماء مُتجذّر بعمق في وعي الشاعر، تشرّبته روحه، وسلب عقله وقلبه، ليأخذ المكان معه في ارتحاله في مهجره الاختياريّ والإجباريّ في آن واحد؛ ليستقرّ في الولايات المتحدة الأمريكية؛ فالحرب والدمار شرّدت النفوس والقلوب في بقاع الدنيا أجمع ما بين شرقها وغربها، طلبا للحياة، والعيش الكريم، رغم مرارة اللُّجوء والاغتراب. تجربة حياتيّة للشاعر "محسن الرجب" حافلة بالأحلام والآمال والطموحات والخيبات واليأس وانسداد الأفق، والمستقبل المفقود، كل ذلك انعكس على نتاج الشاعر على مدار سنوات، وهو يخوض غمار الكلمة المقروءة والمسموعة شعرا. فبعد أن أدّى تحيّتة إلى "دمشق" في أوّل قصيدة افتتح بها ديوانه: (إلى دمشق.. //في هدبِ عينك هام القلب واحترقا// دربي هواكِ ومن إلاّكِ قد عشقا// يا نفحة من رياض العشق محبرة// أنت النجاة وأنت وحيُ من نطقا// يا طلعة الفجر كنت الصبح أوّله// فيك السّناء ندىً من وردك انبثقا// إنّي على العهد لا ظلمٌ يُباعدنا// أيا دمشق وفيك الحبّ قد خُلقا). جاء النص الثاني يعنوان "يوم الرحيل"، مليئًا بالشجن والحنين والفراق وانكسار النفس وتقطع الطرق والسبل، وانعدام رؤى الحياة، والبُعاد عن الوطن في المنافي الغريبة، وكل رفاهها ورغد عيشها، لا تعادل شيئًا عند الشاعر المُتجذّر بأهداب وطن، زرع فيه ذكرياته وأحلامه واستوعب طفولته؛ فقال: (يوم الرحيل رحلت عيوني قبل رحل رحالي.. واستوطنت قلبي ثقال جبال// يا أيها القلب المفارق ظله.. هلًا رفقت بحائر جوال// تاهت بنا الأيام مس غواية.. فتهالكت قطعا بليل علال// وأنا المهمش خلف كل غنيمة.. عند الأباليس اللئام حبالي). وفي قمّة الأسى الموجع لا يتوانى عن إخبار القارئ بعتبه على الحياة عموما، ومع ذلك لا يتنازل عن حبه للوطن.. والاعتلاء بذكر دمشق لمناطحة السُّحُب في أعالي السماء، بقوله: (عتبي ومن يحنو على عتبي أم أنني غر بلا نسب// أم أنني مثل السراب إذا حاقت به دوامة التعب// و الله أعلم أن لي أثر سفر من التاريخ في الكتب// فأنا دمشق أنا هنا شهب براقة تعلو على السحب// وأنا بلاد الشمس يا وطني أتغيب شمس الحب بالثوب ؟!). وبعد الرّحيل والبُعاد، ارتحلت معه "حوران" - تُمثّلها الآن محافظة درعا- موطنه ومسقط رأسه في جنوب سورية، وتأجّج الحنين في قلبه جمر فَقْد وسكينة، تلك هي تخاطرات الشاعر المهموم المأزوم الملتزم بقضاياه العربيّة، عندما جاء على ذكر فلسطين، وعشتار رمز العراق، ونداء إلى صلاح في لحظة يأس قاتلة، وغصّة في القلب، والذكريات والشباب والمشيب وهلوسات الشاعر صبّها في كأس العمر المكسور، ليختم ديوانه بقصيدة "الخذلان". ديوان "قطوف دمشقية" تنوّعت ثماره ما بين نصوجها وانتظارها، على محامل ألم مفقود في دواخل الشاعر المهموم، المُؤَرَق بقلقه، وفجيعته بوطنه الجريح الذّبيح الذي روّى بدمائه الكون أجمع. الديوانُ مُتخَمٌ حدّ الامتلاء بقضايا إنسانية، ووطنيّة، بلغة هادئة غاضبة مُحتّجةٍ صارخة في وجه الظلم والقتل والموت والدمار، كتبت بمداد ياسمين الشٍام وعلى صفحة نقاء حورانيّة. ولم يفتأ الشاعر يُرسل للعالم رسائل الحب، رغم الجِراح العميقة، وهو يكبِسُها بالملح بتَسَامٍ وشمَمٍ عربيٍّ شآمِيٍّ أصيل.
عمّان – الأردن 6/ 12/ ٢٠٢١
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط ،
ويحتفظ موقع 'ألوان للثقافة والفنون' بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أو خروجا عن الموضوع المطروح ، علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط .
اختر هنا لادخال التعليق |